في تطور أمني بارز يعكس استمرار التحديات الأمنية في اليمن، أعلنت السلطات المحلية في محافظة تعز، جنوب غرب البلاد، عن نجاح عملية نوعية أدت إلى إلقاء القبض على عدد من المشتبه بهم في قضية اغتيال موظف أممي في العام 2023. الموظف، الذي كان يعمل ضمن برنامج الأغذية العالمي ويحمل الجنسية الأردنية، قُتل في مدينة التربة على يد مسلحين مجهولين، في حادثة هزت المجتمع المحلي والدولي آنذاك.

هذه العملية الأمنية لم تكن مجرد إجراء روتيني، بل مثّلت بارقة أمل في ملف طالما طُوي تحت أنقاض الفوضى والحرب. هي خطوة أولى، لكنها كبيرة، في طريق العدالة.

تفاصيل العملية الأمنية

بحسب بيان رسمي صادر عن اللجنة الأمنية في محافظة تعز، فإن وحدات من القوات الأمنية نفّذت عملية نوعية في مديرية الشمايتين، الواقعة جنوب المحافظة، وتحديدًا في منطقة "التربة"، حيث وقعت جريمة الاغتيال قبل نحو عامين.

العملية أدّت إلى إلقاء القبض على خلية وُصفت بـ"الإرهابية"، يشتبه بتعاونها المباشر مع جماعة الحوثي، وتورطها في سلسلة من العمليات التخريبية والاغتيالات، من بينها اغتيال الموظف الأممي مؤيد حميدي.

وأكد البيان أن بعض أفراد الخلية كانت لديهم صلات مباشرة بخلايا مسلحة تنشط في محافظات عدة، مثل عدن ولحج، ويُعتقد أن لهم دورًا في تخطيط وتنفيذ هجمات استهدفت قيادات عسكرية وأمنية، بالإضافة إلى مقرات ومرافق مدنية.

ضبط متفجرات وأسلحة ومخططات تخريبية

العملية الأمنية لم تقتصر على توقيف الأشخاص فحسب، بل أسفرت أيضًا عن مصادرة كميات من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، ومواد متفجرة، بالإضافة إلى مركبات مفخخة كانت في مراحل متقدمة من التجهيز لتنفيذ عمليات استهداف في تعز ومحافظات أخرى.

هذه المضبوطات كشفت عن نية واضحة لتصعيد عمليات العنف في الجنوب اليمني، ومحاولة ضرب الاستقرار النسبي في بعض المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين.

من هو مؤيد حميدي؟

الاسم الذي أعاد فتح هذا الملف هو مؤيد حميدي، موظف أممي أردني، عُرف بنزاهته والتزامه الإنساني. في يوليو من عام 2023، وبعد أيام فقط من وصوله إلى مدينة تعز لتولي منصبه الجديد كرئيس لمكتب برنامج الأغذية العالمي في المدينة، تعرّض لعملية اغتيال مروّعة أمام أعين المارة في أحد شوارع التربة.

الجريمة جاءت في وقت كانت فيه الأمم المتحدة تسعى إلى توسيع نطاق مساعداتها في اليمن، وسط وضع إنساني بالغ التعقيد. لذلك، فإن استهداف شخصية أممية تمثل إحدى أكبر منظمات الإغاثة في العالم، كان رسالة شديدة اللهجة – وإن كانت بلغة العنف.

ردود الفعل المحلية والدولية

مقتل مؤيد حميدي أثار حينها موجة استنكار شديدة محليًا ودوليًا، حيث طالبت جهات حقوقية وإنسانية بفتح تحقيق عاجل وشفاف، ومحاسبة كل من تورط في الجريمة. الأمم المتحدة بدورها دعت إلى ضرورة تأمين حياة الموظفين الدوليين، لا سيما في المناطق التي تفتقر للاستقرار الأمني.

في حين أن خبر القبض على المتورطين أعاد بعض الأمل لذوي الضحايا وزملائه في المنظمات الأممية، إلا أن التحديات الأمنية ما تزال قائمة، وتطرح تساؤلات عن قدرة الدولة على حماية من يعمل في الميدان الإنساني.

جذور الخلل الأمني في تعز

تعز، رغم أنها تُعد معقلًا مهمًا للقوى المناهضة للحوثيين، تعاني منذ سنوات من فراغ أمني نسبي، وانقسام في الولاءات داخل الأجهزة الأمنية، وظهور جماعات خارجة عن سيطرة الدولة.

مدينة التربة، حيث وقعت الجريمة، تمثل منطقة استراتيجية عند المدخل الجنوبي لتعز، وتُعد من أكثر المناطق حساسية في خريطة الصراع المحلي. فيها تتقاطع مصالح أطراف متعددة: الحوثيين، القوات الحكومية، الفصائل المسلحة، والمرتزقة.

وفي ظل هذا التداخل المعقّد، فإن جرائم مثل اغتيال مؤيد حميدي قد تتكرر، ما لم يتم تفعيل مؤسسات الدولة، وتوحيد القرار الأمني.

شهادات من الميدان

"كنا نعتقد أن الموظف الأممي سيكون آمنًا أكثر منّا نحن"، يقول أحد سكان التربة. "لكنهم قتلوه في وضح النهار، وبدم بارد. هذا جعلنا ندرك أن لا أحد محصن من العنف."

ويضيف عامل في منظمة محلية: "الناس خائفون، العاملون في المجال الإغاثي أصبحوا يترددون في التحرك بحرية. هذه ليست مجرد جريمة قتل، بل ضربة مباشرة للعمل الإنساني."

ما بعد القبض: العدالة تبدأ الآن

القبض على المتهمين ليس نهاية المطاف، بل هو البداية فقط. الآن تبدأ مرحلة التحقيق والمحاكمة، وهي المرحلة التي تحتاج إلى شفافية ونزاهة لضمان عدم الإفلات من العقاب.

كما يجب على الدولة اليمنية العمل على تعزيز ثقة المنظمات الدولية، وتوفير بيئة آمنة تمكّنهم من مواصلة جهودهم، خصوصًا في ظل تدهور الأوضاع المعيشية لملايين اليمنيين.

قضية مؤيد حميدي ستبقى محفورة في الذاكرة، لا لأنه موظف أممي فقط، بل لأنه رمز لكل من يعمل في سبيل إنقاذ الأرواح في بيئة شديدة الخطورة. والقبض على الجناة هو خطوة نحو إعادة الهيبة لقيم العدالة، في بلد أنهكته الفوضى لكنه لم يفقد تمامًا قدرته على المقاومة.

تبقى الرسالة الأهم: لا أحد فوق القانون، ولا أحد يستحق أن يُقتل لأنه اختار أن يكون في صفّ الإنسانية.